التصوُّف

التصوّف** موضوع شيُق للبعض والغوص فيه مثير للغضب عند آخرين. وهذا التناقض في فهم التصوُّف بينبع من إنه البعض بيشوفه طريق للسلام والطمأنينة من خلال التدين والعبادة، والبعض الآخر بيشوف فيه شكل من أشكال الإلحاد والهرطقة وهتك أستار الشريعة. 

أما أنا فموقفي أقرب من المحبين للتصوّف مع إني غير متدينة وغير ممارسة لأي من العبادات من صلاة أو صوم آو غيره. 

من فترة غير قصيرة بدأت أقرأ عن التصوٰف لانبهاري بفكرة ومبدأ "الزهد". شفت فيها تحرر عظيم وراحة نفسية عميقة. بعض الكتب اللي قرأتها كانت معقدة جداً والبعض الآخر كان سلس وبسيط وممتع للغاية. ومن كثر ما حبيت اللي قرأته حبيت إني أدونه بصورة ملخصة ومقتضبة. وبالمناسبة هذه أول مرة آكتب بالعربي في مدونتي. اخترت إني أكتب بالعامية وما كتبت بالفصحى حرصاً على سلامة وصحة محبين اللغة العربية.

على كلٍ، نرجع لموضوعنا التصوّف. انا لقيت أفضل طريقة لفهمه مبدئيا هي بالتركيز على غاية التصوف وهي برأيي الوصول إلى الله أو الحقيقة. وبما أنها وجهة غايتها الوصول إلى محطة معينة فهناك عدة طرق يمكن سلكها وبالتالي المقولة "الطرائق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق"

الطريق بهذا المعنى يتم تحديدها نوعاً ما عن طريق الشيخ أو المريد اللي بيتبعه الصوفيّ. والقاعدة المتفق عليها إنه يتم تلقي الطرق الصوفية سابقاً عن سابق. وعند البحث عن الطريقة الأصل وجد إنها بتوقف عند كميل بن زياد اللي تلقى تعليمه على يد علي ابن ابي طالب والذي تلقى الطريق من النبي الذي هو بدوره تلقى الطريق من جبريل. ومن الطرق الصوفية المعروفة "القلندرية"، "الملامتية"، "القادرية"، "الدسوقية"، "الشاذلية"، "العزمية"، "البرهانية" وغيرهم.

 في جانب آخرما عليه إجماع وهوأصل كلمة "التصوف".بتستغربوا انه أصل الكلمة تم دراسته مطولاً من قبل العديد من العلماء ومؤرخين التصوّف. المهم نعرف إنه لا يوجد إجماع عأصل الكلمة. في ناس بيقول جاي من الصوف الذي كان رداء الأنبياء والزّهّاد كدلالة على التقشف. وفي ناس بيقولوا إنه مشتق  من كلمة الصفا (صفاء النفس)، ناس ثاني بيقول إنه مشتق من الكلمة اليونانية سوفيا وتعني الحكمة. مرات بينسبوا الكلمة لقبيلة أو جماعة مثل أهل الصُّفَّة أو قبيلة صوفة اليمنية. وطبعاً في كثير من الدارسين بيضيفوا اصول متعددة أخرى للتسمية.

بالنسبة الي موضوعي المفضل بالتصوف هو تعريف التصوف. زي ما أكيد بتتوقعوا في عدة تعريفات جميلة ومختلفة للتصوف. التعريف اللي حبيته أكثر شي هو تعريف الشيخ الشبلي (أبو بكر جعفر بن دلف بن جحدر الشبلي) اللي بيقول فيه "التصوف هو الجلوس مع الله بلا همٍّ" ومصطلح الجلوس في الصوفية روحاني وغير حسّي وبيشير إلى دوام الطاعة لله.

فكرة إسقاط الهم من القلب  في تعريف الشبلي فكرة رهيبة. وتفسر على عدة مستويات.

آول مستوى "إسقاط الهم من الغد" وهو مفهوم التوكل. والصوفيين بيقولوا "بالهمَّة والعمل" وبيحذروا من "المُنْية والأمل" خوفاً من سيطرة الأماني والآمال على العباد. والنقشبدي حكى شغلة كتير حلوة بهذا السياق " من طال أمله اشتغل بالجمع والتحصيل ، وغفل عن الموت وتركه نسياً منسياً حتى يصير كمن أيقن أنه يبقى إلى أقصى أوقات الآجال"

ثاني مستوى لإسقاط الهم هو اليقين بآن كل ماعليها زائل وفان. والتعلق بالزائل حمق. وهون في نقطة مهمة لازم تتوضح. التصوٰف لا يعني إنه الواحد لازم يكون فقير أو إنه الفقر يكون أحد غاياته. بالعكس التصوف بيقول الله يزيد ويبارك بس نتأكد من مُلْك الأشياء من دون ما نسمحلها تملكنا. الإمام عبد القادر الجيلاني قال "إجعلوا ذلك (المتاع) في أيديكم فليس في قلوبكم، فلا يضركم". بعرفش ليش هون تذكرت مثل بحبه كتير وهو "العز بهدلة".

ثالث مستوى لإسقاط الهم، واللي عنده رح آوقف لأني تعبت وبدي أروح أنام شوي قبل ما أطلع أمشي مع صديقي علي، هو إسقاط هَمِّ الآخرة بمعنى تجاوز الرغبة في الجنة والخشية من النار، إلى الرغبة في الإرتقاء إلى مقام المحبة " وهنا تكون كل أفعال العبد إرضاء لله وليست طمعاً في الجنة أو خوفاً من النار" ويمكن آكثر واحدة معروفة في إسقاط هم الآخرة هي رابعة العدوية المشهورة بقول "انها ما عبدته خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، فتكون كآجير السوء إن عمل طلب الأجر، وانما عبدته حباً فيه وتقربتً إليه" 

وبالنهاية ونظراً لتحرر الصوفي من الدوافع المادية الدنيوية، فبلاقي إنه مباديء التصوف ممكن إنها تكون مدخل مهم لإعادة القيم والأخلاق للعديد من نواحي حياتنا.  

**معظم المعلومات من كتاب "التصوف" ليوسف زيدان.